~~~
:أركان الإسلام
عن أبي عَبْدِ الرَّحْمنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطابِ رَضيَ اللهُ عنهُما قال: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه
وسلم يقولُ: " بُنَي الإسلامُ على خَمْسٍ : شهادَةِ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأَنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ، وإقَامِ الصَّلاةِ، وإيتَاءِ
الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ ". رواهُ البُخَارِيُّ ومسلمٌ.
لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أركان الإسلام الخمسة..
والتي قد ذكرناها في الحديث السابق حديث جبريل عليه السلام..إلا أن الحال هنا يختلف ففي
هذا الحديث الشريف تأكيد لأركان الإسلام الخمسة إذ قال رسول الله :"بني الإسلام على خمس..." حقيقة.بينما في الحديث السابق قال:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله...."
إلى آخر الحديث.قال الإمام بن دقيق العيد :"قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى يعني أن
هذه الخمس أساس دين الإسلام وقواعده التي عليها بني وبها يقوم"
وقوله"على خَمْسٍ ":أي خمس دعائم، وفي رواية مسلم: "على خمسة " فيقصد بذلك خمسة أركان.
وقوله"شهاد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" وهي مفتاح الدخول في الإسلام إذ لا تقبل
الأعمال إلا بهذه الشهادة ولا تكون إلا بصدق النية وتواطئ الظاهر والباطن معا حتى يتحقق
التوحيد الخالص وكنا قد ذكرنا هذا الباب في شرح الحديث الأول ...
والشهادة هي الإخبار بالشيء عن علم به واعتقاد لصحته وثبوته ،،والمعنى:أقر وأعترف مصدقا
ومعتقدا انه لا يستحق العبادة إلا الله وحده وأن محمدا هو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
فتضمنت بذلك قسمان لا يتجزآن شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله،،
وكنا قد أتينا على ذكر هذا الأمر في حديثنا السابق ...ونزيد على ذلك شيئا مستعينين
بالله تعالى،أولا،وبأقوال أهل العلم الأكارم فنقول:إن لشهادة أن لا إله إلا الله شروطا لا تتم إلا بها
وهي سبعة :"العلم،اليقين ،الإخلاص،الصدق،المحبة،الانقياد والقبول" وهذه كما قال اهل
العلم هي نفسها شروط شهادة أن محمدا رسول الله،،وزادوا على ذلك فقالوا:"طاعته
فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع"
ولعل الله تعالى أن يوفقنا فنفرد شرح هذه الشروط في درس خاص إن شاء الله تعالى..
"
وقوله "إقَامِ الصَّلاةِ ": المداومة عليها، وفعلها كاملة الشروط والأركان، مستوفية السنن والآداب.
والصلاة في اللغة: الدعاء قال تعالى:" وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
جاء في تفسير الإمام بن كثير رحمه الله تعالى :وقوله :"وصل عليهم"أي أدع لهم واستغفر لهم
أما الصلاة في الاصطلاح فهي أقوال وأفعال مخصوصة على وجه مخصوص تفتتح بالتكبير
وتختتم بالتسليم مع اشتراط النية.
والصلاة واجبة على كل مسلم توفرت فيه الشروط من الإسلام والبلوغ وغيرها"شروط الصلاة "
وذلك بنص حديثنا المذكور كما أنها عمود الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم:"رأس الأمر الإسلام
وعموده الصلاة"الحديث..هذا وإن رحنا نذكر في الصلاة لحتجنا إلى ساعات وساعات
إلا أن مقامنا لا يقتضي ذلك فاكتفينا بالتذكير والله الموفق.
وقوله:"وإيتاء الزكاة": الزكاة لغة النمو والزيادة،نقول زكا الزرع أي نمى وزاد، وقد تطلق بمعنى
الطهارة لقوله تعالى:"قد أفلح من زكاها"أي طهرها عن الأدناس..
أما في الاصطلاح فهي حصة مقدرة من المال فرضها الله عز وجل للمستحقين الذين
سماهم في كتابه الكريم, أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة،،
وهي فرض عين على كل من بلغ ماله النصاب المقدر شرعا وحال عليه الحول،،ودليل فرضيتها
الحديث السالف الذكر:"بني الإسلام على خمس..."ولقد قاتل أبو بكر رضيالله عنه مانعيها في حروب
الردة المشهورة في كتب السنة واعتبرها من حقوق "لا إله إلا الله" واستدل على ذلك بحديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله ويقيموا الصلاة ويوتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم
إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى" (وهو الحديث الثامن من هذه السلسلة المباركة
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لشرحه في الدروس القادمة..)
ولقد قال رضي الله عنه كلمته المشهورة:"والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه رسول الله لقاتلتهم عليه".
وقوله :"وحج البيت" الحج لغة: القصد والكف والقدوم، والغلبة بالحجة وكثرة الاختلاف والتردد ،
وقصد مكة للنسك ، والفاعل حاج ،وحاجج، ومؤنثه حاجة، والجمع حجاج وحجيج،
والمرة الواحدة حجة بالكسر، وله معان أخر،،،
أما في الاصطلاح:فهو قصد البيت الحرام في زمن مخصوص بنية أداء المناسك، من طواف،
وسعي ، ووقوف بعرفة وغيرها..والانسان المسلم ملزم به مرة في العمر بشرط الاستطاعة
فلقد جاء في الحديث الثاني من هذه السلسلة :"وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.."
وقوله تعالى:" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْه ِسَبِيلا"
وقوله"وصوم رمضان" الصيام لغة الإمساك عن فعل الشيء قال تعالى:" فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا
فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا "،،
وقال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة***تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أما في الاصطلاح فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
وإن أدنى الصيام الإمساك عن الأكل والشرب والجماع..والمسلمون متفاوتون في ذلك
وإن أعلى الصيام الصيام عن الدنيا فيكون في رمضان وغيره..وأدلة وجوبه حديثنا المذكور ،،
ومن الكتاب قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُم تَتقُونَ ".وقد فرض في السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى:"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"..
وكفى به أجرا ان يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه
لي وأنا أجزي به"
• تشبيه رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء به -والذي يخرج به
الإنسان من دائرة الكفر ويستحق عليه دخول الجنة والمباعدة من النار- بالبناء المحكم،
القائم على أسس وقواعد ثابتة، ويبين أنَّ هذه القواعد التي قام عليها وتم .
• غاية العبادات: ليس المراد بالعبادات في الإسلام صورها وأشكالها،
وإنما المراد غايتهاومعناها مع القيام بها، فلا تنفع صلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر،
كما لا يُفيد صومٌ لا يترك فاعلُه الزورَ والعمل به، كما لا يُقبل حج أو زكاة فعل للرياء والسمعة.
ولا يعني ذلك ترك هذه العبادات إذا لم تحقق ثمرتها، إنما المراد حمل النفس على
الإخلاص بها وتحقيق المقصود منها
• يُفيد الحديث أن الإسلام عقيدة وعمل، فلا ينفع عمل دون إيمان،
كما أنه لا وجودللإيمان دون العمل .
•لا يستقيم إسلام العبد إلا بإقامة الأركان جميعا عند استيفاء شروطها لأنه كما في
القاعدة المقررة:"لا واجب مع عجز ولا محرم مع الضرورة"والشاهد منها:"لا واجب مع عجز"
•في الحديث تقديم الحج على الصيام،والأصح في هذا أن الصيام قبل الحج وما ذلك
إلا لأن الحديث روي بالمعنى ،،قال الإمام الشيخ اين حجر العسقلاني في كتابه
(فتح الباري في شرح صحيح البخاري) في هذا الباب"
وقع هنا تقديم الحج على الصوم , وعليه بنى البخاري ترتيبه , لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة
عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج , قال , فقال رجل : والحج وصيام رمضان , فقال ابن عمر : لا , صيام
رمضان والحج , هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى . ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة
التي في البخاري مروية بالمعنى , إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس , أو حضر ذلك ثم
نسيه . ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين ونسي
أحدهما عند رده على الرجل , ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى
الصحابي , كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج , ولأبي عوانة - من وجه آخر عن
حنظلة - أنه جعل صوم رمضان قبل , فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى . ويؤيده ما وقع عند البخاري في
التفسير بتقديم الصيام على الزكاة , أفيقال إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه ؟ هذا مستبعد . والله
أعلم"اهـ .
هذا والله تعالى أعلم ،،وأسأل الله تعالى ان نكون قد وفقنا ولو بقليل في شرح هذا الحديث ..
ونعتذر لأحبتنا اننا لم نعط كل ركن من أركان الإسلام حقه في الشرح لأن ذلك كان سيأخذ
الكثير الكثير..وسيحتاج كل ركن إلى مواضيع خاصة نفرده بها،ولكننا اكتفينا بذكر المدلول العام
ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد..فما كان صوابا فمن الله تعالى وحده وما كان خطأ فمنا
ومن الشيطان الرجيم،،وإني أستغفر الله تعالى..
كما لا ننسى واجبنا المعتاد :وهو حفظ الحديث الثاني مع تأكيد حفظ الحديث الأول..
والله تعالى الموفق ،،ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ..
وسبحانك اللهم وبحمدك،أشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين